سعدان صنع كل شيء في 2010
دخل رابح سعدان، مرة أخرى، في خانة ''المدرّب السابق'' للمنتخب الوطني، عقب تقديم استقالته رسميا يوم 4 سبتمبر 2010، بعد 36 شهرا قضاها على رأس العارضة الفنية لـ''الخضر''.
رحيل سعدان، لا يمكن أن يمحو ما صنعه الرجل وما تسبّب في حدوثه، فقد تخلّل مشوار ''الخضر'' الجديد تحت إشراف ''الشيخ'' محطّات رائعة ولحظات جنون من وقع الفرحة، وأخرى محزنة خابت معها أحلام الجماهير.
سعدان المدرّب أشرف على 33 مباراة للمنتخب الوطني في الفترة الممتدة ما بين نوفمبر 2007 وسبتمبر 2010، منها 23 مباراة رسمية، حيث فاز سعدان في 10 مقابلات رسمية وتعادل في 5 مقابلات وخسر 8 مباريات. في الوقت الذي أجرى المنتخب الوطني تحت إشراف رابح سعدان 10 مباريات ودية، فاز في 5 منها وتعادل مرتين وخسر 3 مباريات.
مدرّب مونديالي يفتقد إلى التقدير
والملفت للانتباه، أن رابح سعدان الذي اقترن اسمه بوجود ''الخضر'' في المونديال بعدما حضر في مونديال الأوساط سنة 1979 باليابان ثم مع الأكابر في 1982 بإسبانيا كعضو في الطاقم الفني، و1986 و2010 كمدرّب أول، خرج في كل مرة من المنتخب دون أن يلقى التقدير اللاّزم، حيث لم يسلّط عليه الضوء كثيرا بعد مشاركة الأواسط في مونديال طوكيو، ثم لم يحظ بالاهتمام الإعلامي اللاّزم بعد ملحمة خيخون الإسبانية، وعاش أسوأ أيام حياته بعد مونديال مكسيكو، ما جعله يغادر نحو المغرب. وقاد رابح سعدان المنتخب الوطني في ظروف استثنائية في نهائيات كأس أمم إفريقيا 2004 بتونس، وترك انطباعا حسنا وبلغ الدور ربع النهائي بمنتخب منهار تماما. ليترك مكانه مرة أخرى، في عهد رئيس الاتحادية محمّد روراوة دون أن يلقى التقدير اللاّزم على إنجازاته. قبل أن يتم الاستنجاد به في مهمة ''رجل المطافئ'' بعد خيبة أمل الجماهير في بلوغ نهائيات 2006 و2008 لكأس أمم إفريقيا بمدرّبين أجانب فاشلين أشرفوا على ''الخضر'' منذ 2004؛ على غرار البلجيكيين جورج ليكنس وجورج واسايج والفرنسي جون ميشال كافالي، بغرض قيادة المنتخب في مهمّة مستحيلة خلال التصفيات المزدوجة لكأسي أمم إفريقيا والعالم .2010
هدية المونديال أكبر نقمة سعدان صنع فعلا ما عجز عنه سابقوه من المدربين المحليين والأجانب؛ فقد كان عزاء أكثر المتفائلين في الجزائر، بلوغ الدور الأخير من التصفيات والتفكير في إمكانية حجز مكانة في المنافسة القارية، ليقدّم ''الشيخ'' لهؤلاء أحلى هدية من خلال الإطاحة بـ''الفراعنة'' أبطال إفريقيا، والمشاركة في المونديال لثالث مرة، بعدما كان الحديث عن ذلك ضربا من الخيال. ما حدث للمنتخب الوطني في 2010 ليس مفاجئا، على الأقل بالنسبة للمدرب رابح سعدان، الذي شدّد في كل مرة على أن المنتخب المونديالي ليس قويا بالدرجة التي يتصوّرها البعض، وبأن عملا كبيرا ينتظر التشكيلة التي تضم عناصر لا تلعب مع أنديتها ولا تشارك في أقوى البطولات الأوروبية.
قيادة سعدان ''الخضر'' إلى نهائيات كأس العالم جعله نجما بين الجماهير، غير أنه ورّطه أيضا معهم، كون المناصرين لم يقبلوا بأقل من ذلك، رغم أن ''الشيخ'' صرح في كل مرة بأن المنتخب يحتاج إلى عمل إضافي.
سعدان أفضل من مدرّبي رئيس الفافوبما أن لغة الأرقام هي الفاصل لتحديد قيمة أي مدرّب، فيكفي القول بأن رابح سعدان لم يخسر أية مباراة خلال 17 شهرا، وتحديدا من 14 جوان 2008 حين خسر أمام غامبيا في بانجول بهدف دون رد إلى 14 نوفمبر 2009 بعد خسارته أمام مصر بالقاهرة بهدفين دون رد.
سعدان الذي سبق له قيادة ''الخضر'' إلى مونديال مكسيكو دون أية هزيمة، صنع ما لم يصنعه المدربون الأجانب الذين جلبهم الرئيس الحالي للاتحادية محمّد روراوة ولم يقدّموا للكرة الجزائرية سوى العار، على غرار البلجيكي واسايج الذي خسر بثلاثية تاريخية بملعب 19 ماي 1956 بعنّابة أمام المنتخب الغابوني. وفضّل البلجيكي الآخر جورج ليكنس الرحيل عن الجزائر لأسباب شخصية دون أن يترك بصماته. فيما استفادة المدرّب ''النكرة''، الفرنسي جون مشيال كافالي من فرصة معاناة الاتحادية ماليا في عهد حميد حدّاج للإشراف على ''الخضر''، وقاده أمام الأرجنتين والبرازيل في مقابلتين وديتين، وجعل طموح المناصرين في تصاعد قبل أن ينهار الجميع في مباراة غينيا بملعب 5 جويلية الأولمبي ويقصى المنتخب للمرة الثانية على التوالي من المشاركة في كأس أمم إفريقيا، بعدما غاب ''الخضر'' لأول مرة منذ 1980 عن نهائيات المنافسة القارية، وحدث ذلك في دورة مصر سنة 2006 في عهد رئيس الاتحادية محمّد روراوة.
2010 سنة الانتصارات والانكساراتالجدير بالذكر أن رابح سعدان الذي قاد المنتخب في 33 مباراة، منذ المباراة الودية أمام منتخب مالي في مدينة روان الفرنسية بنتيجة 3/2 في نوفمبر 2007 إلى غاية المباراة الرسمية أمام تانزانيا بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة يوم 3 سبتمبر 2010، صنع كل شيء مع المنتخب سنة .2010
سعدان، الذي صنع انتصارا خارج القواعد مع ''الخضر'' في زامبيا العام الماضي بعد ست سنوات كاملة دون تحقيق ذلك، أعاد ''الخضر'' إلى المنافسة القارية ما بين جانفي وفيفري 2010 بأنغولا بعد غياب عن دورتين متتاليتين، ومنح الجزائريين فرصة لاستعادة أمجاد الكرة الجزائرية، بعدما كسب المنتخب أجمل تأهل إلى نصف النهائي بعد الفوز على نجوم كوت ديفوار، وكانت نتيجة تاريخية لمنتخبنا الذي لم يبلغ هذا الدور المتقدّم منذ تتويج ''الخضر'' بكأس إفريقيا في الجزائر سنة 1990 في دورة طبعتها لمسة الحكم كوفي كوجيا البينيني.
وقاد سعدان ''الخضر'' في ثالث مشاركة في المونديال بجنوب إفريقيا ما بين جوان وجويلية، وحقق المنتخب تعادلا بطعم الانتصار أمام نجوم منتخب إنجلترا، وتألق بعض اللاّعبين على غرار الحارس رايس وهاب مبولحي.
سعدان الذي قهر ''الفراعنة'' في 2009، أخرج الجزائريين إلى الشارع للاحتفال في مظاهر نسيناها أمام نكسات وفضائح ومهازل الكرة الجزائرية في عهد ''ما قبل سعدان''، لم يمنح لنفسه فرصة الخروج من الباب الواسع، ويصنع الاستثناء مع اتحادية تعوّدت على إخراج مدربيها من الباب الضيق لذر الرماد في أعين الأنصار.
وكان على سعدان، الذي بدأ يخسر في 2010 بثلاثية أمام صربيا وإيرلندا وديا، ولم يدخل المنتخب التاريخ بعد الفشل في بلوغ الدور الثاني من المونديال، عدم تجديد عقده مع الاتحادية، حتى لا يعيش نفس سيناريو ,1986 خاصة وأن مدربين كبارا غادروا من الباب الواسع ولم يتشبثوا بالمنصب مثلما حدث مع الفرنسي إيمي جاكي المستقيل من تدريب منتخب فرنسا سنة 1998 بعد تتويجه بكأس العالم.
سعدان ختم 2010 بخسارة في مباراة ودية أمام الغابون بملعب 5 جويلية، وهو الملعب الذي شهد انتصارا في أوت 2009 أمام الأوروغواي، ثم بتعثر أمام منتخب مغمور اسمه تانزانيا، ليقدّم في ذات السنة استقالته من تدريب ''الخضر'' بعدما أصبح لا يحقق الإجماع وسط الأنصار، رغم أنه يعتبر أفضل مدرّب وطني على الإطلاق قياسا بنتائجه مع المنتخب منذ نهاية السبعينيات.